«يوسف» قصة قصيرة للكاتب  الدكتور فراج أبو الليل

ارشيفيه
ارشيفيه

ناداه بصوته المرتفع .. يا سيد الحقيقة والكذب .. أيها البعيد الممد علي أطراف مدينتنا الصامتة .. لم يرد .. استمر في الجري .. ثم توقف ..  كان صوت بكاءه ضعيفاً .. ممتزجاً بحرقة المهزوم ..

ربما تداعت كل الذكريات برأسه .. كيف قتلت زوجته " أمال" في وضح النهار .. أنا أيضاً كررت النداء .. لماذا تركت قلبك للفتنة الطرية أيها السيد النقي؟ .. تمتم لست "يوسف" أيها المناديان .. أنا جسد بالي تركته الأحزان في بلدتكم النائمة .. قالها ومضي في طريقه مسرعاً .. هنا صعدت روحه .. سقط ميتاً .. لكن جسده لم يلمس الأرض .. ظل معلقاً في سماء النهر..

ضوءه حجب القمر في تلك الليلة .. لمست طرف رداءه الممزق ...وصرخت فيه .. عُد يا سيد الضوء والظلام  ..  جائتنى الخيانة من هناك .. حيث الرفيق القديم "يأس"  .. قلت لها سأموت بيدك يا حبيبتى أو بيد صديقى القديم  .. خنجرالغدر نفذ في الصدر  .. القلب نزف حتى جفت بحور العتاب  .. اِلْتَفت بِوجهه بعيداً ورحل يلعن الحب ..

 

الغبار القادم من المدينة سد الرؤية .. لملت حبيبتى ما تبقى من المساء وبعض بقايا الجسد  .. أوقدت بخور الحياة  ..  عله يرجع .. هكذا توهمت العرافة .. قالت لها .. لا تدفنيه في مقبرة القرية البعيدة .. انثري أشلاء الحقيقة في ربوع النيل  .. وتمتمى بالدعاء ليوسف .. لكنه مات قبل أن تصرخ ..

مات وبيده جمرة من حزن .. وألم  .. دفنته كما قالت العرافة فوق سفح الجبل حيث تسيطر الذئاب .. وحيث السماء حافية تمشي علي الأرض .. جاءت بغضبها وأصوات رعدها ومطرها الغزير .. انبت "يوسف " مثل بذرة الفول بلون الصوفية الأخضر .. صار نباتاً تأكله الحيوانات الجائعة والخائفة من الذئاب.